أمران أحلاهما مرّ. النص الفذّ لا يحتاج ناشرا خارقا بالضرورة من ناحية. ومن ناحية أخرى، وفي وضع باد للعيان، صارت جائزة البوكر للرواية العربية جائزة الناشرين بامتياز.
النصوص الروائية الممتازة (وهذا ليس حكما قيميا، ولكني أعني به الروايات التونسية التي وصلت إحدى قائمات البوكر) نشرت في دور عربية من الحجم الثقيل أو بدور نشر تونسية عانقت الامتياز وهي أقل من نصف أصابع اليد.
ما زالت الدور العربية تستقبل وتنشر روايات تونسية، وعليه فإن غياب السرد التونسي عن البوكر هذه السنة مرده عدم توفر نصوص ترتقي إلى مقاييس الترشح إلى القائمة الطويلة.
اما الدور التونسية، وقد شهدت اليوم لسوء الحظ تعسفا كبيرا وجلدا للذات لا مبرر له، فهي تعاني إجحاف شروط ترشيح الروايات إلى البوكر العربية، فالدار التي لم تصل سابقا إلى القائمة الطويلة لا يحق لها تزكية أكثر من عمل روائي واحد.
المعضلة ذات حدين في الواقع. لن ترتقي الرواية التونسية سوى عبر المنافسة الشديدة والنزيهة أيضا. لا وجود لمنافسة كبيرة في ظل سيطرة نقد سطحي انطباعي يصف كل الروايات بالجيدة، ولا يترك فرصة للتقييم الجاد والموضوعي، ولا نزاهة إذ لا يعترف جمهور القراء سوى بروايات نفخ الاعلام في صورها وبوأها قمما وهميةحتى قبل صدورها، واقصد بالإعلام غول وسائل التواصل الاجتماعي التي ترفع وتذل من تشاء، بينما تقبع نصوص أخرى في الظل لا لشيء سوى أن مؤلفيها لا يملكون منصة اتصالية ناجعة.
على مستوى آخر، لن تتطور دور النشر التونسية سوى بمراكمة النصوص الجيدة، وبوعي الروائي بحياة ثانية بعد المخطوط. في رأيي، على الروائي مفاوضة دور النشر على نقاط عديدة اهمها تواجد روايته بمكتبات عواصم عربية، واشتراط مشاركتها في بعض المعارض العربية الكبرى قبل تحديد الكلفة (ودفعها من طرف الكاتب احيانا) وقبل توقيع العقود. على دور النشر أيضا العمل على تقديم خدمات أفضل للمؤلفين والا واصلوا هجرها إلى دور عربية اكبر، وتركوها تعاني اكداس الروايات الضحلة دون أن تحظى بفرص أكبر في عدد رواياتها المشاركة في البوكر.
لا ننسى أن الترشح إلى البوكر من عدمه قد غطى على جوائز عربية أخرى لا تقل عنها أهمية فاين الاحتفاء بالتونسيين الذين حصدوا جوائز الطيب صالح وجائزة كتارا للرواية العربية. كفانا بكاء على الاطلال وكفانا تعسفا على دور النشر التونسية، ولنعمل معا قراء وروائيين وناشرين على هدف واحد: حضور الرواية التونسية في كل المحافل العربية ولما لا العالمية.
وليد بن أحمد
روائي وناشر تونسي
إرسال تعليق